روايات كاملة

رواية وعد نزار الفصل الرابع و العشرون

الفصـل الرابع والعشـرون:

ما لي لا تترك لي الأحزان فرصة لأتنفس!

خرجا سريعًا ما سمعا صوت ذاك الأرتطام، وجدا نازلي مسطحة علي الارض امام الباب، مغشي عليها، تطلعا الأثنان لبعضهم البعض بنظرات ذات معني.. بالطبع استمعت لهم! تنهد نزار مطولًا قبل ان يميل ممسكًا بها وينهض بها متوجهًا الي الاعلي حيث غرفتها.. لاحقًا به يامن، وضعها علي فراشها وحاول ان يوقظها، لكن محاولاته بائت بالفشل! يبـدو انها اختارت الهروب من الواقع تلك المرة وفضلت النوم.. ومعها كامل الحق في فعل ذلك..

لكن يامن لم يستسلم، بل حاول معها عدة مرات وهو ينادي علي اسمها بتلهف واضح، قرب من انفها إحدي قنينات العطر الفاخر الذي ما ان وصلت رائحتها الي اعماق روحها حتي بدأت تتلملم بنومتها وتستيقظ تلك المرة، تنهدا الاثنان براحة لم تدم طويلًا

وهم يرونها تفتح عينها وتتطلع لهم بتشـوش، حتي استقرت عيناها علي يامن، ثبتت انظارها عليه دون حديث، وطال الصمت!

أمسك نزار كف يدها.. هامسًا بقلق:-
_نازلي..

بدأ له انها لم تستمع له، بالفعل هي لم تفعل، كل ابصارها وتركيزها منصب علي ذلك الشاب الذي يقف ينظر لها بأرتباك وقلق ممزوج بتلهف وشوق.. وحب ومشاعر اخري مبعثرة غير مفهومة، يفكر بداخله ما سيكون رد فعلها اتجاهه.. احترم نزار ما يحدث بينهم وانسحب بخفة من بينهم بعدما ربت علي كتف يامن بتشجيع..

مـرت لحظات.. عديدة، يسودها صمت قاتل وترقب.. حتي قطع تلك اللحظات يامن وهو يقترب منها خطوة هامسًا بخفوت شديد:-
_نازلي..!

وكأنها كانت تنتظر تلك المبادرة منه! حيث ها هي بكامل ثقلها تتوجه له ترمي نفسها بأحضانه وتبكي!
لحظات تجمد فيها جسده من المفاجأة قبل ان يبادلها الحضن بأخر أشـد.. ودون شعور منه راح يبكي هو أيضًا، يبكي حزنًا عليهم ووجعًا.. ضيقًا من والدهم الذي كان سببًا لفراقهم..

همس من بين بكاءه:-
_أسـف..

علاما يعتذر؟ لا يعلم! لكنه شعر انه عليه الاعتـذار!

بخارج الغرفة ذلك الوقت، سنـد نزار رأسه علي باب الغرفة، يستمع لبكاءهم ويراقب حالتهم بينما يتنهد بقلة حيلة وحزن، وجد يـد توضع علي كتفه، علم صاحبتها علي الفور.. انها لبينار

التي همست وهي تنظر من فتحة الباب الصغيرة الي حالة يامن ونازلي بتعجب:-
_في اية؟

نظر لها ونطق بجمود:-
_ضحية جديدة من ضحايا فاروق الزاهر..

ولم يترك لها فرصة لتفهم.. فقط غادر بصمت..

بعد قليل.. في ساحة مزرعة الرشيـد..

تجمعت عائلة الرشيد والمنشاوي معًا، جميعهم ينتظرون حديث نزار، بينما يامن يأخذ نازلي بين احضانه بطريقة اثارت تعجب الجميع ماعدا نزار ونغم..

بـدأ نزار حديثه قائلًا:-
_فاروق الزاهر..

ارتعشت نازلي بين احضان يامن عندما جائت سيرته مما جعل يامن يغلق عيناه بقهر عليها، وهو يوعدها بداخله انه سيأخذ حقها وان كان من ذلك الذي يدعو بوالده..

تابع نزار:-
_نصاب وحرامي.. دخل حياتنا من اكتر من عشرين سنة، سرقنا ونصب علينا وكان سبب في موت ابويا، من ناحية تانية ضحك علي عمتي..

جاء دور بينار لتغمض عيونها بألم من تلك الذكريات التي تصر علي الا تجعلها تهنئ بحيايتها..

_واتجوزها عرفي وخلف منها بنت..

شهقت شيري بعدم تصديق، فلسفرها لم تعرف تلك الحكاية ابدًا، بينما تابع نزار:-
_هرب بعد كدا علي ايطاليا، وهناك قدر يطلع هوية جديدة ليه واتجوز وخلف وحياته بقيت عال العال.. وبقي عايش بأسم حسان ابو الزيد

ودونًا عن شهقات الجميع، صرخت شيري بفزع حقيقي، قبل ان تقترب من بينار وتمسك اكتافها بكلتا يديها تهزها هزات مرتعشة بينما تهتف بدموع:-
_انتي بينار؟ حبيبته اللي بيهمس بأسمها وبيحلم بيها كل يوم؟ انتي ضرتي اللي نغصت عليا حياتي عشرين سنة يابينار.. انتِ!

لم تتأثر بينار بهزها لها ولم تتحدث، فقط ملامحها كانت جامدة.. لا تخلف عن ثورتها الداخلية الناشبة بروحها!

ابعد عدي شيري عن بينار واخذها بين احضانه يهديها بينما الاخري تبكي بعنف ازداد وهي تسمع بقية حديث نزار:-
_بكدا.. نازلي تبقي اخت نغم ويامن من الاب و اخت رحمة من الام

وبدون سابق انذار وجدت نازلي اخوتها يحاوطونها ويحتضنوها بلهفة وحب، وهو يبكون وهي تبكي معهم، في مشهد مؤثر جعل الجميع يتابعهم بصمت ساد عليهم وقد حاوطتهم حالة من الشفقة علي حال تلك الفتاة!

بعد كثير من الدقائق، هدأ الاخوة وابتعدوا عن شقيقتهم الا من يامن الذي ما زال يتشبث بها! وهتف نزار.. المتحدث الرسمي لتلك الجلسة بعيون قاتمة ونبرة غامضة:-
_وحبيت اقولكم ان فاروق دا بعد كل اللي عمله انا مش هسيبه عايش ولو دي كانت اخر حاجة هعملها في حياتي

ودون ان يسمع لهم ردًا.. غادر المجلس!

وسادت حالة من الهرج والمرج في المكان، بينار وشيري يتعاتبان ويبكيان احزانهم لبعضهم البعض، الاخوة يحتضنون بعضهم البعض.. الا عدي الذي سار خلف نزار الذي هتف نزار له ما ان لمحه خلفه:-
_عايزك تقلبلي العالم ياعدي وتعرفي فاروق دا فين

اؤما عدي وهو يردف:-
_متقلقش.. في اقل من 24 ساعة هيكون عندك علم بمكانه

ومـر ذلك اليوم..
*****
هتف رشوان مصدومًا:-
_يعني اية؟ كل الاوراق اتكشفت وعرفوا الحقيقة!

قالها رشوان لفاروق بينما يحادثه علي الهاتف، اؤما الاخر بنعم وكأن رشوان يناظره، بدأ رشوان يصيبه حالة من التوتر وهو يسأل:-
_وهنعمل اية دلوقتي؟

هتف فاروق:-
_انت اللي هتعمل.. مش انا

ضيق ما بين حاجبيه بعدم فهم بينما بدأ فاروق بسرد عليه ما يجب عليه فعله ورشوان يستمع له بينما عيناه تتسع تدريجيًا بزهول..

وعند نزار.. هتف عدي بقلة حيلة وهو يحادثه علي الهاتف:-
_ملهوش اي اثر في ايطاليا، كأنه فصل ملح وداب، ومفيش ولا اشارة بتقول انه طلع برة البلد سواء بأسم فاروق او حسان

ثم اغلق معه وبقي نزار وحيدًا، استمع لطرق علي الباب ثم دخول نازلي، نظر لها لـ لحظات دون حديث، بأشتيـاق وولـة، فكثرة الاحداث السابقة كانت تمنعه من رؤيتها والتمعن فيها بتأمل كما يفعل الان، همست بقلق عندما طال صمته..

نازلي:-
_نزار..

أستفاق من سرحانه فغمغم بتلقائية:-
_روحه

تبسمت بخجل وتوردت وجنتيها بحمرة ابتسم هو عليها بخفة، لكن رغم هذا حاولت لملمة شتاتها وهي تسأله:-
_ناوي تعمل اية؟

بادلها سؤالها بأخر:-
_انتي عايزاني اعمل اية؟

قالت فورًا:-
_تسيب العدالة تاخد مجراها والحكومة هي اللي تتصرف

بدأ لها انه لم يستمع لها، فأقتربت منه تحتضن كف يده بين كفوفها وهي تهمس:-
_هو ميستهلش توسخ ايدك بدمه يانزار، ارجوك سـيب الحكومة تشوف شغلها، احنا دلوقتي بقينا عيلة كبيرة وكتير اوي، كل دول هيزعلوا لو حصلك حاجة او عملت حاجة وحشة، انا مش بقول كدا علشان هو ابويا، انا معرفتش كدا غير بالصدفة.. انا بقول كدا علشانك.. انت.. انت لو حصلك حاجة طنـ.. قصدي ماما وعمو راجي هيدمروا ورحمة وانا.. كلنا.. كلنا، ارجوك.. ارجوك، انا حتي نسيت رشوان واللي عمله وقررت اعيش وابدأ حياة جديد، انت كمان اعمل كدا.. اوك؟

اؤما بالنفـي:-
_لا مش اوك.. انا مقدرش اعيش بالبساطة دي وهو لسة عايش يانازلي، لازم روحه تطلع في ايدي لولا اعرف اعيش براحة

نظرت له بقلة حيلة، يبدو ان لا امل من الحديث معه، بدا انه فهم حديثها حيث اؤما بنعم وهو يشير لها برأسه بالمغادرة وبالفعل غادرت وهي تزفر بضيق ووجع، لا تعلم ماذا تفعل؟ لقد اخبرها يومًا انه لا يحب ان تلوث يداه بالدم ابدًا، ولكن الحال الان يبدو معاكس..
*****
مـر يومان، لا جديد فيهم سـواء ان عدي ونزار بمساعدة يامن يقلبان العالم بحثًا عن فاروق في اي مكان قد يكون مختبئ به ومن الممكن ان يلجأ له، لكن لا اثر له.. تناسا نزار انه يحارب رجلًا يهوي التخفي ويجيده ك عيناه! لكن رغم فشل محاولاتهم لم ييأسوا قط من البحث عنه ولم يقنطوا.. سيجدوه وان كان ذلك اخر ما سيفعلوه..

وفي الوقت المعتاد الذي تظهر فيه رحمة لزياد، كانت الغرفة معتمة بحق تلك المرة، لا يوجد فيها منفذ ضوء واحد حتي، رغم خوف وتعجب رحمة من الامر الا انها بدأت بتنفيذ خطتها وهي تقترب من فراشه بعدما تسلقت الشجرة ووصلت لشرفته التي وجدتها مغلقة لكن ليس بأحكام.. بدأت بالهمس بأسمه وهي تقترب رويدًا.. رويدًا منه.. حتي وصلت الي الفراش، ومدت يدها لتلمسه قبل ان تجد من ينهض منتفضًا عن الفراش، ممسكًا يدها بين يديه وهو يقول بضحكة شـر:-
_أخيرًا وقعتي تحت ايدي يابنت بينار..

ولم يكن ذلك سـواء رشوان الذي علم من فاروق ان ابنه لا يتخيل، بل بالفعل هناك فتاة تزوره وهو رحمة شقيقة نازلي وشرح له ما تفعله كل يوم.. حينها اتسعت حدقتا عيناه زهولًا وهو يستوعب ان ابنه لا يكذب وانتفضت اوردته وبدأت اعصابه بالفوران وهو ينوي الانتقام منها..

صفق بيداه مرتين متتاليتين ليأتي حارسين ويأخذون رحمة التي بدأت تتحرك بعصبية في محاولة منها للهرب لكن محاولاتها بائت بالفشل، بينما امسك هو هاتفه وارسل لفاروق رسالة مفداها:-
_تم ياباشا والبنت معانا

لحظات وجاءه الرد:-
_حلو.. أدخل علي الخطوة اللي بعدها بقي..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى